في زحمة الحياة وتقلّباتها، كثيرًا ما نغفل عن حقيقة بسيطة لكنها جوهرية: مشاعرنا ليست مجرد حالات عابرة، بل بوابات لأفكارنا، ومن ثمّ أفعالنا. عندما نشعر بالحزن، الغضب، القلق أو حتى الفرح، لا تتوقف التجربة النفسية عند هذا الشعور فقط، بل تمتد لتؤثر على طريقة تفكيرنا، وعلى القرارات التي نتخذها، والتي قد تغيّر مسار حياتنا.
لهذا السبب يُقال:
"لا تتخذ قرارًا دائمًا بناءً على شعور مؤقت."
لكن، هذا يطرح سؤالًا أعمق:
كيف نتعامل مع مشاعرنا إذًا؟ هل نكبتها؟ أم نتركها تقودنا؟
ما الفرق بين الشعور والفكرة؟
من المهم أن نفهم أن الشعور هو حالة وجدانية تظهر كرد فعل على حدث أو موقف، أما الفكرة فهي التفسير الذي نعطيه لهذا الشعور.
على سبيل المثال:
إذا شعرت بالإحباط بعد موقف معين، فقد تفكر: "أنا لا أستحق النجاح."
هنا، الشعور بالإحباط قد يكون طبيعيًا، لكن الفكرة التي تليه قد لا تكون واقعية أو منصفة.
هذه الفكرة السلبية، إن تكررت، تتحول إلى نمط تفكير دائم، وقد تؤثر لاحقًا على نظرتك لذاتك، وعلاقاتك، وحتى أهدافك في الحياة. لذلك قد يكون العلاج السلوكي المعرفي (CBT) مفيد في مثل هذه الحالات.
كبت المشاعر ليس حلاً...
في ثقافتنا، هناك ميل إلى كبت المشاعر بدافع "التحكم بالنفس" أو تجنّب ما يُنظر إليه كضعف. لكن الحقيقة أن المشاعر التي لا نواجهها، لا تختفي. بل تختزن في الجسد والنفس، وتُعبّر عن نفسها لاحقًا بأشكال مختلفة: توتر، نوبات غضب مفاجئة، أو حتى أمراض جسدية مزمنة.
الصحة النفسية المتوازنة لا تعني غياب المشاعر السلبية، بل تعني القدرة على فهمها، تسميتها، والتعامل معها بوعي.
ما الذي يساعدنا على تحقيق هذا الوعي؟
وأخيرًا... إن التعامل الواعي مع مشاعرنا هو بمثابة تدريب يومي. لا أحد يُولد بقدرة فطرية على فهم نفسه بالكامل، بل هو مسار نتعلمه بالتدريج.
الصحة النفسية ليست هدفًا نبلغه، بل علاقة مستمرة مع الذات، فيها صدق، ولطف، وصبر.
وما نحاول الهرب منه... غالبًا ما يكون الشيء الذي نحتاج أن نلتفت إليه.
